الخميس، 14 فبراير 2013

عبدالله عطيف ... تحت ظلال المشنقة..


يقول فيكتور هيجو مؤلف رواية البؤساء التي تعد واحدة من أعظم الأعمال الأدبية التي عرفها التاريخ البشري , واصفاً المقصلة أو حبل المشنقة على لسان أحد شخصيات الرواية وهو الأسقف ( مونسينيور بيينفينو ) :

( الحق أن للمشنقة حين تٌعد وتنصب أثراً في النفس كأثر الهلوسة أو الوهم . فقد لا نبالي بعقوبة الموت كثيراً أو قليلاً , ما دمنا لا نشهد مقصلة ما بأعيننا .

ولكن ما إن نرى إلى واحدة حتى تعصف بنا صدمة هي من العنف بحيث تحملنا على أن نقرر ونتخذ موقفاً إما مع تلك العقوبة أو ضدها . أن المقصلة هي تخثر القانون وهي قد توصف بالمنتقمة , إنها غير حيادية , ولا تسمح لك بأن تظل حيادياً , وكل أمرئ يراها يزلزل بإرتجافات ليس أعجب منها ولا أشد غموضاً .

إن جميع القضايا لتطرح علامات استفهام حول هذه الفأس , المشنقة خيال , المشنقة ليست مجرد هيكل منجور , المشنقة ليست ماكينة , المشنقة ليست آلة ميكانيكية جامدة لا حياة فيها , إنها تبدو كائناً من نوع ما , ذا أصل مظلم لا نعرف عنه شيئا , أن هذا الهيكل المنجور يستطيع أن يرى ويسمع ويفهم وأن هذا الهيكل بحباله وأخشابه يمتلك إرادة .

وفي الهواجس المروعة التي يقذف مشهدها الدامي بالنفس الإنسانية , تبدو المشنقة فظيعة وممتزجة بصنيعها الرهيب , المشنقة شريكة الجلاد في الإثم , إنها تفترس وتأكل اللحم , إنها تشرب الدماء , المشنقة غول من ضرب ما , يصنعه القاضي والنجار , إنها شبح يبدو وكأنه يحيا بضرب من الحياة مرعب , مستمد من كل الموت الذي سببته ) .

ويبدو بأن فيكتور هيجو من خلال هذا الوصف يعلن عدائيته وكراهيته المقيتة لحبل المشنقة , ويبدو جلياً بأنه معارض كبير لعقوبة الشنق والإعدام بهذه الآلة التي صنعت لتنهي حياة المخطئين والجناة .

ولكن فيكتور هيجو لا يعرف مشنقة سوى مشنقة الموت , ولا يعرف مقصلة إلا تلك التي يصنعها النجار , فهو لم يعش في عصر الشباب الجديد الذي احترف وتفنن في تصفية وإعدام المواهب الشابة .

إن المشنقة التي تعرفها ياعزيزي هيجو أكثر رحمة ورأفة من تلك التي نراها ونعايشها في زمن الشباب الجديد , إن هذه المشنقة المنصوبة في أسوار هذا الكيان العظيم تسببت في وأد طموحات وآمال .

إن الشباب الجديد بمقصلته الفظيعة عديمة الرحمة لا يريق الدماء ولا يأكل اللحم , وإنما يهدر المواهب ويصفي أبناء الإدارات السابقة , بصورة تكاد تكون قسرية .

عائلة عطيف , أحد ضحايا هذه المقصلة الدامية التي جعلت منهم عبرة وعظة لكل متمرد , وتمت تصفيتهم بصورة فورية وكأنهم سبحة انفرط عقدها فتناثرت حباتها في لمح البصر .

ومع كل موهبة يتم تصفيتها , نردد نحن وبصورة ببغائية : الكيان لا يقف على شخص واحد .

ومع كل تصفية جديدة , ومن كل موهبة تهدر , ومع كل طموح يراق دمه , يظهر لنا فئة غريبة تبرر هذه التصفيات العشوائية , وهم يبررون ليس لأنهم يعشقون الكيان , وإنما لأنهم قدموا مصالحهم الشخصية على كل اعتبار أخر .
 
مسكين أنت أيها الكيان , فالكل يدعي بأنه يحبك ويعشقك ولا يزايد على مصلحتك , الكل يفديك بماله ووقته وجهده , فأنت أيها الكيان مقدم على الأشخاص مهما ارتفع شأنهم .

نحن نشاهد الكيان يسحق ويدمر ومع هذا نقف متفرجين ونردد مقولتنا الخالدة : الكيان لا يقف على شخص واحد , ومع هذا يراد لنا أن نصدق بأن كل هذه التصفيات هي مجرد ( قرار مدرب ) .

في نادي الشباب الجديد أكبر كذبة يتداولها الجميع هي مقولة ( قرار مدرب ) , وكلنا نعرف في قرارة أنفسنا بأنها مجرد كذبة بيضاء , وكل شخص يردد هذه المقولة فهو يكذب ويعلم هو بأنه يكذب , ويعلم بأن الأخرين يعلمون بأنه يكذب , ومع هذا فنحن مستمرون في الكذب , لأن الصدق مع الذات أصبح أحد ضحايا المشنقة .
 
لا يهم ياعزيزي فكل ماعليك هو تتقمص دور الساذج أو بمعنى أخر ( اعمل نفسك عبيط ) , لكي لا ترهق جسدك وتقلق ذهنك , فهذه المشنقة لن تدوم مدى الحياة , وكل يقين بأن أبناء وعشاق الكيان هم أول من يرجم هذه المشنقة وهم أول من يزيلها .

 
محمد السعد

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق